التراث

التاريخ: 2016-02-01
قرية قانة
إعداد: رباب سلمان
تتميز القرى العمانية التقليدية بطبيعتها الجميلة التي جسدت حياة الإنسان العماني في الماضي ببساطتها وبِقسوتها، وبينت مدى تكيفه مع البيئة المحيطة، وكيفية استثمار موارد الطبيعة لقضاء حاجاته الأساسية، وتطل العديد من القرى العمانية على جبال الحجر التي تتمازج مع المدينة العصرية بمبانيها الحديثة، ومع النمط المعماري القديم للقرى العمانية الأثرية القائم على الطين والصاروج، وباتت اليوم مزاراً سياحياً بارزاً يروي تاريخ عمان عبر العصور.
تعتبر القرى الأثرية مزارات مهمة تحكي تاريخ عمان عبر العصور المختلفة، وقد كانت البيوت العمانية تبنى من الطين والصاروج (الجبس)، حيث تناقل الأبناء من الآباء والأجداد هذه الحرفة التي بدأت تضمحل مع وجود مواد البناء الحديثة التي حلت تدريجياً محل الطابوق الطيني والصاروج. تعد قرية ( قانة ) أحد أقدم القرى الموجودة في خور شم بولاية خصب بمحافظة مسندم، التي تقع في أقصى شمال سلطنة عمان، ويفصلها عن بقية الأجزاء جزء من أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، ويبلغ ارتفاع جبالها الوعرة حوالي 1800 مترا فوق سطح البحر، ويبلغ إجمالي سكانها نحو 28.378 عماني حسب إحصائيات عام 2005م. تتميز محافظة مسندم بموقعها الاستراتيجي المميز حيث يطل جزء منها يعرف باسم رأس مسندم على الممر المائي الدولي المعروف باسم مضيق هرمز، والجدير بالذكر أن المضيق ليس بأكمله صالحا للملاحة البحرية فالجزء الصالح للملاحة يقع ضمن المياه الإقليمية للسلطنة؛ مما جعل أهل عمان يتحملون مسؤولية كبيرة تجاه تنظيم الملاحة في هذا المضيق منذ أقدم العصور، وقد ازدادت الأهمية الاستراتيجية لهذا المضيق في التاريخ المعاصر بعد أن صار معبرا لـ90% من بترول الخليج إلى بلدان العالم.
أما قرية قانة فتعد من أبرز المعالم السياحية في مسندم، وتبدو البيوت الصخرية الموجودة فيها كأنها في الجرف نفسه؛ لذا يصعب على الداخل تمييزها وهو الغرض الأساسي لإنشائها كونها أول خط دفاعي، ويتم الوصول إليها عن طريق البحر من خلال  الزوارق التي تعبر المنطقة، فتراها تتوهج عند انعكاس أشعة الشمس عليها، ويعتمد معظم أهالي القرية في معيشتهم على مهنة الصيد.
قانة التي هجرها سكانها، وبقي منها بضعة بيوت ما زالت صخور بنائها القديم صامدة على امتداد مساحة أرض تفصل بين صخور الجبل وماء البحر، في زاوية لا يمكن الوصول إليها إلا من طريق البحر، يوم كان السكان لا يريدون آنذاك أكثر من ماء عذب توفره العيون الجبلية القريبة وطعام يعطيه البحر بسخاء، ويمكن بيع الزائد في سوق المدينة الصغيرة للحصول على ما تبقى من لوازم الحياة، أما عن حكايات الأهالي الذين سكنوا قرية قانة فهي عديدة، ويروى عن أسلوب حياتهم البسيط والمصاعب التي واجهوها بسبب موقع القرية، أن الأهالي كانوا يقطعون مسافات طويلة بين قمم الجبال العالية جداً إلى هناك، وكان الناس قديماً يحملون أطفالهم للختان أو في حالات المرض، وكانوا يستمتعون بالغطس والسباحة وأخذوا من البحر مصدر رزق لهم، حيث اعتمدوا على الصيد كغذاء لهم وبيع ما تبقى في مناطق داخلية.
يعبر القارب الصغير بخفة على سطح الماء، بين جبال مسندم في أقصى الشمال العماني، حيث يمكن الوصول إلى تلك المحافظة البعيدة عن العاصمة مسقط، من طريق الإبحار نحو خمس ساعات، أو أكثر منها براً للوصول للقرية.