التراث

التاريخ: 2014-10-01
التوصل الحضاري بين عُمان والفراعنة

التوصل الحضاري بين عُمان والفراعنة

عُمان بمختلف مسمياتها في العصور الغابرة ظلت حاضرة في الكتابات السومرية، والبابلية، والآرامية، والفرعونية، وغيرها من الكتابات ذات الصبغة التاريخية بكل جغرافيتها، وتضاريسها، وامتداداتها التاريخية والحضارية في قلب الحدث عبر الحقب الزمنية. تختزن عمانُ مفردات حضارة أزلية أغنت الفكر البشري، وبرز تواصلها مع أهم حضارات العالم القديم، ألا وهي الحضارة الفرعونية التي أذهلت العالم بأسره، ووقف محتارا أمام تفسير لغز هذه العظمة التي امتدت إلى قرون من الزمن، وما تزال إلى يومنا هذا ماثلة للعيان.

كانت مصر قديما من أعظم البلدان، حيث اكتشف فيها 100 هرم حتى يومنا هذا، عدا المعابد الكثيرة التي ذكرت في كتب التاريخ، مما احتاج إلى توفير متطلبات مدنيتها ومعابدها من المواد الخام والسلع التجارية، فانطلقت بتوسيع شبكة علاقاتها، وبنت طرقا لاستيراد ما تحتاجه من مواد وسلع، فكان اهتمامها بإنشاء ممر تجاري عبر المحيط الهندي وصولا إلى ميناء ظفار، كما أنها شقت طرقا برية عبر الأودية الشرقية للنيل لتصل إلى سواحل البحر الأحمر بجنوب عمان، وبدأت العلاقات التجارية مع ظفار، كون مصر تحتاج إلى أهم السلع التجارية، مثل: المعادن، والعاج، وكذلك لتوفير أهم متطللبات معابدها الكثيرة، مثل: البخور، واللبان، اللذان احتلا مكانا ساميا في حياة الفراعنة، إذ أنه يطلق بكثافة عند تحنيط الموتى ووضعه معهم في القبور دون إشعاله؛ تيمن برحلة قبر هادئة، حسبما يعتقد القدماء المصريون، وكانوا يأتون من بعض الأشجار العملاقة على ضفاف النيل بعد نحتها بطريقة خاصة تدخل ضمن أسرار وغموض هؤلاء الفراعنة، الذين لم يفسروا الكثير من عاداتهم لأحد.

وكان البخور عند المصريين يدخل في صناعة الكحل الفرعوني الشهير، الذي جّمل عيون جمي ات الفراعنة، مثل نفرتيتي، ونفرتاري، وكذلك الرجال لاسيما الملوك منهم، أيض كان يستخدم في خليط الألوان التي نجدها على المعابد، والمس ات الفرعونية، فكانت عمان وجهتها لتأمين هذه الاحتياجات. استنتجنا ذلك عبر النصوص الفرعونية التي سجلت إحدى عشرة رحلة بين مصر وظفار، كان أولها في عام 2590 قبل الميلاد في زمن خوفو الأكبر، وآخرها عام 1160 قبل الميلاد في عهد رمسيس الثالث، كما برزت صور لأشخاص من ظفار بين آثار مصر تعود 3400 قبل المي اد، وتدل الآثار على أن بلاد إرم وبونت التي وردت في نقوش الدير البحري للملكة حتثسبسوت في 1400 قبل المي اد هي ظفار، وصور الجبال وأشجار اللبان تؤكد ذلك. وازدهرت تلك العلاقاتخلال الألف الثانية قبل الميلاد، لاسيما في زمن الأسرة الثامنة عشر والتي بدأت تستورد من ظفار البخور، والتوابل، واللبان، والصمغ، والأخشاب. كما بدأت السلع تشمل النحاس رغم توافره في سيناء، إلا أن احتياجات قدماء المصريين له مع توافره بجودة عالية في عمان أدت إلى استيراد كميات كبيرة.