التراث

التاريخ: 2014-10-01
سفينة الألف الثالث قبل الميلاد

سفينة الألف الثالث قبل الميلاد

في ضوء المكتشفات الأثرية قدم الدكتور علي بن راشد المديلوي بحثه في ندوة الخليج، التي أقيمت على أرض السلطنة، مشيرا إلى الدراسات التاريخية، بالإضافة إلى نتائج الحفريات الأثرية، وإلى اتساع شبكة التجارة الإقليمية التي ربطت مدنيات الشرق الأدنى القديم، وإلى مدى المساهمة الحضارية الفاعلة التي لعبتها مراكز مجان وموانؤها التجارية خ ال هذه الفترة المبكرة، فقد أتاح لها تميز موقعها بأن تلعب دوراً مؤثراً وعاملاً مساعداً في نمو وازدهار مدنيات العالم القديم.


لقد شكلت العلاقات التجارية بين هذه المدنيات الدور الرئيس في نهوضها الحضاري، وإرساء دعائم مدنياتها وتمكينها من أداء رسالتها الحضارية عبر انتظامها في شبكة تجارية إقليمية، دعمت مراكز الحضارة القديمة في منطقة الشرق الأدنى: كب اد الرافدين، ومملكة دلمون، وب اد الشام، ووادي النيل، والأناضول من جهة، وبين مدنيات وادي السند وعيلام من جهة أخرى. ونقلت خلال تحركها بين المشرق والمغرب تيارات ثقافية متباينة أسهمت بلا شك في رسم الصورة الحضارية للمنطقة .


لقد قدم موقع رأس الجنز للباحثين نموذجاً مثالياً لقرى ما قبل التاريخ الساحلية، حيث كان البحر المصدر الرئيس للقرية، وكشفت الحفريات الأثرية عن تنظيم جيد دلت عليه نماذج البيوت المبنية من الطوب الطيني وما حوته من معثورات: كصنارات الصيد، وثقالات الشباك، والخطاطيف، وبعض الأختام النحاسية والحجرية كما تم العثور على مبخرة من حجر الكلس، بالإضافة إلى مشط من العاج ومجموعة من الحلي، والخرز، والجرار الفخارية المختلفة الأحجام.

وقد تم العثور في غرف البيوت الطينية المكتشفة في الموقع على ألواح وكتل من القار وظهرت على بعض قطع القار آثار طبعات حزم القصب والقش والحصير والحبال والعوالق البحرية، وفي بعضها تظهر بوضوح مجموعة من القصب المربوط، وحبال، وحصر منسوجة. وفي الجهة المقابلة بقايا لمجموعة من البرنقيل ) وهي كائنات قشرية بحرية تعيش في مياه المحيطات ( مكتملة النمو، الأمر الذي يدلل على أن هذه الألواح كانت في الماء لأكثر من ثلاثة أشهر، وهو دليل استخدامها في السفن.


ويبدو أن سفينة مجان كان لها حضور مميز ودور فاعل في التاريخ القديم، فقد ذكرت بعضُ النصوص المسمارية بصورة ثابتة سفن مجان، ففي عهد سرجون الأكادي ) 2371 - 2316 ق.م (. تخبرنا النصوص بأن سرجون « أجبر سفنا من دلمون وسفناً من مجان وملوخا أن ترسو في ميناء أكد ». وفي عهد الملك جوديا حاكم لجش ) 2144 - 2124 ق.م( تذكر النصوص أيض بأن مجان كانت من بين البلدان الأجنبية التي تجلب له الخشب بسفنها، وحجارة إيزي أي حجارة الديورايت. ويبدو أن أور- نمو ) 2112 - 2095 ق.م ( مؤسس أسرة أور الثالثة سعى منذ البداية إلى إعادة تجارة مجان إلى ب اد الرافدين فقد جعل سفن مجان تظهر مرة أخرى في ميناء أور أو في مكان تسجيل السفن ويظهر ذلك جليا من خلال النص الذي عثر عليه في دجدجة بالقرب من أور، حيث يذكر أور- نمو بأنه: « استعاد قارب مجان) الخاص ( بنانا إلى الحدود ) القناة ( »، وفي ترجمة أخرى: « استرجع سفينة مجان إلى يديه ) إنانا ( ». وهذه النصوص وغيرها تشير بوضوح إلى سفن تجارية من مجان تتاجر مع مواني بلاد الرافدين.

يشار من المعلومات التي تم الحصول عليها حتى الآن عن السفن القديمة في منطقة الشرقين الأدنى والأوسط، والذي يبدو الآن بعد توافر الدلائل الأثرية التي كشف عنها في المنطقة أن مجتمعات منطقة الخليج العربي كانت على دراية ومعرفة بصناعة السفن المختلفة للأغراض التجارية وغيرها. يعد رأس الجنز من أهم المواقع القديمة في عمان، شهدت العديد من الفترات الاستيطانية، كان أبرزها العصر البرونزي الوسيط ( 2500 - 2100 ) قبل الميلاد، ولعبت دورا محوريا في الصلات الحضارية بين مجان والمراكز الحضارية القديمة في كل من: الهند، والبحرين، والعراق، ومصر، وسلط الدكتور علي المديلوي في ورقته الضوء على سفينة مجان وحضورها التاريخي من خلال ما تم الكشف عنه في موقع رأس الجنز، وربطه بما تم ذكره عن سفينة مجان في نصوص وأرشيفات بلاد الرافدين.