التراث
مقابر بات "قصة حضارة بتفاصيل مجهولة"
تقع المواقع التاريخية في بات والخطم والعين في سلطنة عمان بمنطقة الظاهرة القريبة من حدود دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعتبر من المواقع الأثرية والتاريخية التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد. هذه المواقع يطلق عليهامقابر خلية النحلوتقع إلى الشرق من عبري، وهي مفتوحة للجمهور على مدار العام.
مقابر بات الأثرية بسلطنة عمان قصة يطول شرحها فهي تتكون من حوالي 400 مقبرة أثرية،وهي عبارة عن بناء دائري من حجارة صلبة مربعة الشكل على شكل قباب من الحجر البني اللون، وتتألف من جدارين خارجيين، وآخر داخلي مقسم إلى عدة غرف. ويشبه وسطها شكل خلية النحل، ويبلغ ارتفاعها نحو 4 أمتار.
ويقسم القبر من الداخل إلى حجرات لدفن الموتى، تحتوي على بعض الأواني الفخارية والحجرية، والخرز المصنوع من الأحجار الكريمة، والعظام، والأخشاب. حظيت هذه المقابر التي يعود تاريخها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد - أي منذ حوالي 5000 سنة - في ولاية عبري بمنطقة الظاهرة بشهرة واسعة بعدما أدرجتها لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو على قائمة التراث العالمي الثقافي والطبيعي.
لم تكن مدينة «بات» الأثرية في مطلع السبعينيات الماضية إلا مجرد أكوام من حجارة تتناثر في البقاع والمرتفعات، وتنسج المخيلة الشعبية حولها قصصا وأساطير، تحاول أن تعطي لها تفسيرا، وحينها لم يدر في خلد أحدهم أن هذه الأكوام تعود بزمنها إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، وأن سكانها قد عاشوا في عصر أطلق عليه بالعصر البرونزي، وأن المسافة التي تفصل بين من بنى تلك الأبراج الشبيهة بخلايا النحل وبين سكان بات الحاليين تصل إلى خمسة آلاف سنة؛ لذلك فالزيارة إلى مستوطنة «بات» الواقعة في جهة الشرق من ولاية عبري بمحافظة الظاهرة هي زيارة استثنائية للتاريخ، والوقوف عند أطلالها وأبراجها أشبه بقراءة فصول مثيرة من ذلك الزمن البعيد، وكلما أمعن الزائر النظر إلى تلك الأبراج، تلوح له قسمات من ملامح حضارة عُمانية موغلة في القدم.
تعتبر مقابر بات ثاني موقع يتم إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي في سلطنة عمان كمحمية ثقافية في عام1988، وقد اكتشف الموقع عام 1972 وهو عبارة عن قبور من طراز أم النار في الجزء الجنوبي، وفي الجزء الشمالي قبور خلايا النحل التي ترجع إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، كما تم الكشف عن أبراج مراقبة وحراسة.
يرى باحثون بعد دراستهم للموقع أن مدينة بات عاشت فترات رخاء اقتصادية، إذ أن موقعها الجغرافي يتسم بخاصية استراتيجية وبيئية غنية، وذلك بفضل وفرة المياه، وأراضيها الزراعية الخصبة، ولعبت الحركة التجارية للقوافل دورا كبيرا في ازدهارها؛ لوقوعها كما يرى الآثاريون في ملتقى الطرق القديمة للقوافل التجارية الواصلة بين مدن السواحل العمانية، وكانت القوافل التجارية القادمة من شبه الجزيرة العربية عبر الصحراء، والمتجهة إلى سواحل خليج عمان تمر على بات، فتتاجر في أسواقها، وتتزود باحتياجاتها منها قبل الوصول إلى مبتغاها.
وإضافة إلى ما سبق ذكره عن مدافن بات، فإن الموقع يحتوي على أبراج دفاعية كبيرة الحجم ودائرية الشكل، وقد لوحظ أنها منتشرة في مواقع أخرى بمحافظة الظاهرة، تحتوي على تقسيمات هندسية رائعة، ويبدو أنها كانت بمثابة أبراج حراسة، وتمهيداً للبدء في مشروع التأهيل السياحي لمستوطنة بات الأثرية، فقد تم التنقيب في عدد من القبور الأثرية التي تعود إلى فترة أم النار والعصر الحديدي، كما تم ترميم أحد قبور المدينة الأثرية، والذي شيده الأسلاف فوق تل بقوالب حجرية بيضاء، كما رممت بعض غرف البرج الرئيس في المستوطنة؛ لحمايتها من الانهيار والاندثار؛ ونظرا إلى الأهمية الثقافية والتاريخية لموقع بات الأثري، فقد أدرجته المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو» في عام 1988م، ضمن قائمة التراث العالمي الطبيعي، واقترن إدراج هذه المستوطنة بموقعين آخرين هما؛ موقع الخطم «الوهرة»، ومدافن «وادي العين»؛ وذلك للتناسق الجغرافي والجيولوجي والبيولوجي والأثري لهذه المواقع.
وأيضا اكتشفت مدافن خلال عمليات الترميم تعود إلى الفترة الانتقالية بين حضارة حفيت وحضارة أم النار، وقد أطلق عليها مدافن فترة بات، بالإضافة إلى كميات هائلة من المدافن. كما عثر على أبراج مستديرة ضخمة يتوسط بعضها بئر ماء، وأسماؤها في سلطنة عمان هي: قصر الرجوم، وقصر الخفاجي، وقصر مطارية، وقصر السليمي، وبرج الخطم.
الخطم « الوهرة»:
المعلوم أن موقع الخطم «الوهرة» يبعد مسافة كيلومترين عن مستوطنة بات، ويقع تحديدا جهة الجنوب الغربي منها، ويشتمل على برج بيضاوي الشكل ينتمي إلى فترة الألف الثالثة قبل الميلاد، ويقع فوق تل صغير، كما تنتشر على سلسلة التلال المحيطة بالبرج مدافن ركامية، تعود إلى تلك الفترة البعيدة.
وقّعت وزارة التراث والثقافة في عام 2006 مذكرة تفاهم مع متحف التعدين بمدينة بوخوم بألمانيا؛ لانتداب خبير لترميم المدافن، ومنذ تلك الفترة تم اكتشاف وترميم حوالي 5 مدافن أثرية، وذلك بمشاركة فريق عماني.
ورغم تخصيص وزارة التراث والثقافة لمرشد سياحي للموقع، إلا أن أهالي ولاية عبري يقومون بدورهم بإرشاد السائحين الذين يفدون إلى المنطقة التي تبعد نحو 350 كيلومترا عن العاصمة مسقط؛ للاطلاع على هذا الأثر العالمي.