صناعات حرفية
النحاسيات "فن وإبداع حرفي"
شكلت عمانُ عبر العصور بصناعاتها اليدوية الكثيرة والمتنوعة سوقاً لهذه الصناعات في منطقتها والعالم، فكانت تقصدها القوافلُ التجارية من كل أصقاع الأرض؛ للتبضع من صناعة حرفييها. وتعتبر حرفة صناعة النحاس في تاريخ السلطنة أحد مكونات الشخصية العمانية من خلال الورش التي كانت تعمل بهذه المهنة والتي كانت منتشرة في عدة أسواق.
كان النحّاسون منذ قرنين من الزمن يستوردون صفائح النحاس من أوروبا، ويقومون بطرقها في مشاغلهم ليكوّنوا منها أوانيَ متنوعة في الشكل والوظيفة، ويتفننون في تصميمها وجماليتها وإدخال النقوش والزخارف عليها، مع تلبيسها بالفضة أحياناً لتأخذ رونق التحفة الفنية البديعة والباقية عبر الزمن.
إن أكثر ما أثر على صناعة النحاس كان دخول الآلات الصناعية الحديثة لهذه المهنة في فترة أواخر الأربعينيات ما أفقدها الكثير من جمالية العمل اليدوي، وقلّص عدد العاملين فيها فيما بعد. حرفيّو هذه المهنة اضطروا لتغييرها في فترة السبعينيات والثمانينيات؛ بسبب كسادها وضيق سبل عيشهم معها فلم تعد هذه الحرفة تورّث من جيل إلى جيل كما كانت العادة، مثلها في ذلك مثل الكثير من المهن العمانية التي اضمحلت. إن اختلاف عادات المجتمعات في القرى العمانية وما حولها من حيث الإقبال على الأواني النحاسية واستخدامها في حياتهم اليومية من طهي وغسيل وأوان منزلية وغيرها مستعيضين عنها بالأواني البلاستيكية والألمنيوم والستانلس وسواها، أثر على ازدهار هذه المهنة وجعلها مهنة تراثية سياحية أكثر منها ملبية لحاجات يومية، كما أن تغير طبيعة صناعة النحاس جعلها تغير من أشكال منتجاتها لتتوافق مع أذواق زبائنها الجدد من السياح الأجانب والعرب، بالإضافة إلى المترفين الراغبين باقتنائها كأعمال تراثية ديكورية وتزيينية فقط.
إن تنوع المنتجات النحاسية كان ينتج عنه تخصص الحرفيين في أشكال وأنواع محددة من المشغولات النحاسية، فهناك من يصنع مصبّات القهوة، ومطاحن البن، ومجامر الفحم، والشمعدانات، وغيرهم من الحرفيين يعملون على صناعة القدور والصواني، وآخرون في أدوات زينة الخيول والعربات والمتممات التزيينية. إن النحاس يخلط في أغلب الأحيان مع غيره من المعادن؛ للتمكن من صناعة أشكال وأدوات معينة فصناعة الأجراس تحتاج لخلط النحاس بمقادير من القصدير، وفي الآلات الموسيقية النحاسية مثلاً يُخلط مع الرصاص، وفي غيرها من الأدوات يُخلط النحاس مع أشياء أخرى. حرفة صناعة النحاس مهنة كبيرة تتشعب فيها الاختصاصات ضمن الورشة الواحدة فهناك الرسام الذي يخط الزخرفة والنقوش، وهناك الحفار والنقاش والمفضض أي الذي يقوم بتنزيل معدن الفضة على الآنية النحاسية، وهناك حرفيو الكبس وحرفيو التخريق وكلها ترتبط بحلقة ينتج عنها في النهاية منتج جميل وفني. كما أن هذه المهنة ترتبط بغيرها من المهن مثل حرفة صب وسكب النحاس، أي صهر النحاس وسكبه في قوالب لها أشكال محددة، وهي النواة الأساسية لصناعة النحاس إلى جانب مهن الخراطة والنشر والثقب والتسوية وصناعة القوالب الخشبية والرسم المهني وغيرها من الحرف المتممة. المهنة هذه تحتاج للكثير من الذوق والدقة والمهارة وأن المواد الأولية المستخدمة في الرسم على النحاس هي صفائح النحاس الأحمر والأصفر
التي تتراوح سماكتها ما بين 7 - 8 دوزيم وحتى 5 - 1 مم. كما أن حرفة الرسم والنقش على النحاس تعتمد على فن الزخرفة الإسلامية إلى جانب تجسيد بعض المعارك في التاريخ ورسم الشخصيات التاريخية المهمة، وهذه المهنة تتفرع أيضاً لعدة فروع، بحيث يقوم كل حرفي بجزء من العمل لسرعة التنفيذ ودقة الإنجاز.