التراث

التاريخ: 2018-05-01
قرية حجر فنجاء

قرية حجر فنجاء

تزخر سلطنة عمان بتراث معماري عريق بعراقة تاريخها، ويشكل ثروة وطنية وإرثا حضاريا. تعتبر الحارات العمانية القديمة  بما تضمه من بيوت قديمة وحصون وقلاع ومساجد  نماذج للمعمار العماني التقليدي، الذي أظهر براعة الإنسان العماني. لابد أن كل من زار عُمان في الماضي قد لفت انتباهه هذه الحارات القديمة المترامية في معظم الأحياء العمانية، بيوت طينية بأسقف خشبية عفا عليها الزمن، وهجرها سكانها الأوائل نحو الأحياء المنظمة الحديثة.


أما حارة فنجاء، أو كما تسمى حجرة فنجاء فلا تزال تحتفظ بمعالمها العامة، ويمارس الأهالي فيها العادات الشعبية المتعلقة بالأعياد. تتميز وتنفرد فنجاء عن بقية القرى بمفرداتها السياحية بجمال بيوتها القديمة، وتتوافر بها كل مقومات السياحة التي تضم العديد من المستنقعات والبرك، وجريان المياه المتدفقة مع وجود أفلاج وواحات النخيل، وأشجار مختلفة تضفي على المكان جمالا وسحرا.


تبعد حارة فنجاء حوالي 50 كيلومترا جنوب غرب العاصمة مسقط، بشمال محافظة الداخلية، في واحة فنجاء الخصبة فوق هضبة صخرية مسورة ومحصنة تحصينا قويا. تتبع الحارة ولاية بدبد، وتعد الحارة الرئيسة في واحة فنجاء التي تتكون أيضا من الشرجة، والتصوير، وسيب، وجبل الغبرة، وطوي منصور، ونطايل، وتتحكم بأحد أهم المنافذ إلى عمان على طول فجوة سمائل في جانبها المتجه للبحر، إضافة إلى ذلك تحكمت فنجاء أيضا بالمنفذ المفضي إلى نبع الحمام الغربي، ذي المياه الحارة، الذي يعتقد أنه السبب في الجودة العالية لأشجار النخيل في الواحة، ولا تزال هذه الأشجار تحظى برعاية كبيرة من السكان المحليين. كان الحمام يروي بساتين النخيل في المزارع الواقعة إلى الغرب من وادي فنجاء، في حين تروى المناطق الخضراء في الضفاف الشرقية أساسا بالمياه السطحية القادمة من الوادي نفسه، والآبار والفلج الثانوي من سفوح الجبال المحيطة.


تحتل حارة فنجاء نتوءا صخريا طويلا يمتد على نحو شبه مباشر من الشمال إلى الجنوب، ولكن يبدو أن نصفه الشمالي فقط هو الذي كان مأهولا بصفة مستمرة، إذ إن الجزء الجنوبي شديد الانحدار؛ ولهذا السبب فقد شكل نقطة الرصد والمراقبة الأساسية للحارة، يعززها برجان يطلان على المنظر الطبيعي الممتد والطرق القادمة من الجنوب، أي من داخل عمان .


ورغم قرب الحارة النسبي من بدبد (المركز الأكبر والأغنى) فقد أضفى الموقع الاستراتيجي للواحة أهمية بخطوط التجارة في شمال عمان، ويحتمل أن تكوينها الدفاعي القوي والتحصينات الشديدة علىطول منطقة ضيقة في الطريق قد أكسب سكانها ثقلا سياسيا في رسم المنطقة.


ثمة تجمعات سكانية أخرى أصغر من الحارة تتناثر على طول ضفاف الوادي، في المشاريع التنموية الحديثة التي برزت خلال العقود الأخيرة. وهناك عدد من التجمعات السكانية في أسفل هضبة الحارة لا تزال قائمة ومأهولة. وعلى الرغم من المصادر الدقيقة أو البيانات الأثرية الموثوقة، إلا أنه ربما يمكن افتراض تاريخ عتيق لحارة فنجاء، إذ يزعم السكان المحليون أن تاريخ الحارة يعود إلى الفترة الفارسية، أو حتى أقدم من ذلك. وبالأخذ بعين الاعتبار قدم العديد من المستوطنات المحلية في عمان وتوفر الماء في المنطقة، فإنه من المرجح وجود جماعات ما قبل التاريخ من عصور حفيت وأم النار في هذه المنطقة .


يبرز في واحة فنجاء وسكانها عنصر واحد من العناصر التي تعرق بها المنطقة، وهو احتفال العزوة الذي يقام في العيدين، وتتألف احتفالات العزوة بشكل أساسي من أعداد كبيرة من الرجال والصبية من القرى المجاورة يتجمعون في حارة فنجاء، ويشكلون أربعة مواكب على مواضع مختلفة من الواحة تلتقي عند البوابة الغربية للحارة، ويصاحب هذه الاحتفالات مسابقات في الرماية، ومبارزة بالسيف والرقص وإنشاد الشعر وإطلاق القذائف من مدافع فنجاء القديمة، تؤرخ أصول العزوة إلى القرن الثامن الميلادي، وبسبب من التداخل الديني في عمان تشير إلى تاريخ العزوة إلى فترة ما قبل الإسلام.


المصدر الرئيس للماء في حارة فنجاء هو الفلج المعروف باسم الحمام الغربي؛ لسخونة مائه، ينبع هذا الفلج من سفح الجبل. تتسم حارة فنجاء بطابعها المتواضع في معمارها السكني، إذ تتألف معظم المنازل من طابق واحد، ولا تبدي أي علامات على الثراء، على غرار بهلاء، أو منح، أو نزوى.


إن حارة فنجاء محمية أساسا بتضاريسها المنحدرة والجرف الذي تقع فوقه. ومن العناصر الأساسية لبنية فنجاء الدفاعية تلك الأبراج الكثيرة التي توجت أطراف هضبة الحارة وقممها، وتتراوح هذه الأبراج في أنواعها ما بين مراكز مراقبة ومنصات لإطلاق نيران المدافع والبنادق والمعاقل ذات الجدران السميكة، وأغلب هذه الأبراج مبنية من الطوب الطيني، ويعود تاريخ أبراج فنجاء إلى عدة قرون.


والأبراج في هيئتها الحالية تؤرخ بحوالي ثمانين عاما، إذا أعاد بناءها شيوخ القبائل وأعيان العائلات، وكانت فنجاء تتمتع بنسيج قبلي متماسك نسبيا، فقد شكلت هذه الأبراج نظاما متكاملا موجها للخارج، لا ضد فصائل داخلية في الواحة نفسها، فإن الحارة تمتلك ثلاثة مدافع حديدية موجهة باتجاه الوادي.