التراث
فلج معول
فلج معول من أغرب الأفلاج في سلطنة عمان من جهة عدم انتظام وتيرة تدفق المياه فيه، فضلا عن أنه لا يرتبط كثيرا بهطول الأمطار، ويشبه في تكوينه الآبار الارتوازية، غير أن الأغرب من ذلك هو جريان الفلج بقوة وارتفاع منسوب المياه فيه بشكل غير معهود قبل يوم من هطول الأمطار!!! أحوال الفلج الغريبة التي يفسرها العلم بظاهرة «التدفق والاندثار ،» ألهمت الأهالي لنسج حكايات أسطورية ذهبت بعيدا في عالم الخيال، غير أن الأسطورة الوحيدة التي يتفق الجميع عليها هو تجلي جمال الطبيعة العمانية حول هذا الفلج الشهير وسط ربوع ولاية بهلاء، إحدى أجمل الولايات العمانية التي تشتهر بالحصون والقلاع الشامخة.
تضم محافظة الداخلية ولاية بهلاء، وتقع قرية دن في جنوب الجبل، وفي وسطه تقع قرية معول التي يتدفق فيها الفلج ويفصل بينهما 6 كم، ولا يأتي ذكر دن دون ذكر معول، فالقريتان توأم جمال وسحر الطبيعة والهدوء والوداعة أسفل جبل الكور الشاهق، ويربط أيضاً بين القريتين أسطورة قديمة يتناقلها الناس إلى يومنا، جعلت الكثيرين لا يفرقون بينهما، تلك الأسطورة تلهم الزوار من داخل السلطنة والسياح من خارجها على الاستكشاف والمغامرة.
روايات خيالية في محاولة لتفسير تدفق مياه الفلج أياما وتوقفها في أيام أخرى، اتجه الأهالي إلى تفسير ذلك بأسطورة متداولة تقول إن في قرية معول فلجا يجري أسبوعا وينقطع أسبوعاً آخر، حيث يخصص الأسبوع الأول للبشر ليستفيدوا من مياهه أما الأسبوع الثاني فهو للجان!، ويتداول الكثيرون معلومات خاطئة مفادها أن الفلج الأسطورة يقع في قرية دن المجاورة لمعول، كما تشيع مقولة « فلج دن يوم حالنا ويوم للجن «، بمعنى أن الفلج يضخ مياهه يوما للإنس ويوم للجن حسبما تقول الأسطورة؛ لذا قصد الكثيرون قرية دن للبحث عن هذا الفلج فيقوم الأهالي بإرشادهم إلى الوجهة الصحيحة وهي قرية معول! غير أن العلم الحديث يقدم تفسيراً يكشف الغموض الذي يكتنف هذا
الفلج، فأوضحت دراسة أن فلج معول يعتبر من العيون النادرة التي تتكون نتيجة تكوينات وتراكيب جيولوجية طبيعية وفي ظل ظروف بيئية محددة وتُعرف باسم ظاهرة «الاندثار والتدفق » وقد تم حصر ( 15 ) عيناً من هذه العيون بدول في أوروبا والولايات المتحدة، تمتاز بتدفقها لفترات زمنية محددة ومن ثم يتوقف جريان المياه فجأة اعتماداً على ضغط الهواء بالخزان الجوفي، وتتدفق المياه من العين إذ تنبع المياه من صدع طبيعي (شق) بالصخور وتتجمع في خزان جوفي محدود ذي فتحة ضيقة
لمرور المياه، ويتميز هذا التركيب الجيولوجي بعوامل أساسية تتحكم في كمية تدفق العين على سطح الأرض أو توقفها تماماً، وهي: كمية المياه في الخزان الجوفي، وضغط الهواء داخل الخزان، والانحدار الشديد لمستوى سطح الأرض.
أظهرت بيانات المراقبة أن تدفق الفلج يزداد خاصة في أوقات هطول الأمطار، فتزداد كمية المياه في الخزان الجوفي المحدود، وبالتالي يزيد ضغط الهواء بالخزان، فتتدفق المياه لسطح الأرض، وعندما تقل كمية المياه بالخزان الجوفي، يقل ضغط الهواء، وبالتالي يقل تدفق الفلج أو يتوقف تماماً عن الجريان.
كما بينت نتائج تدفق الفلج لشهر متواصل أن هناك فترات انقطاع وجريان للفلج، ولكنها ليست فترات زمنية ثابتة. أما الأسطورة الحقيقية التي تجمع دن ومعول فهي جمال وسحر الطبيعة، فتعد قرية معول واحة زراعية غنّاء وسط الجبال الشاهقة حيث أشجار النخيل على امتداد القرية والزراعة هي المهنة الأساسية التي يتوارثها سكان القرية الذين يزيدون عن 700 نسمة عبر الأجيال، كما تشتهر القرية بتربية الثروة الحيوانية بسلالتها المحلية الأصيلة من جمال وأبقار وأغنام وماعز ويقوم بعض المزارعين بتربية نحل العسل بسلالتها المحلية وهناك مشاريع ناجحة لإنتاج العسل البري والعسل الجبلي، والذي يباع في سوق ولاية بهلاء ويجد إقبالاً كبيراً من المستهلكين.
إلى جانب الفلج الذي يميز القرية هناك وادي معول الذي يمر بها من أعلى جبل الكور مكونا شلالات مياه بديعة تخطف الأنظار عند جريانه أثناء أيام هطول الأمطار، ولدى مرور الوادي بالقرية ينتعش المخزون الجوفي وبعد أيام قليلة ينتشر البساط الأخضر في أنحاء القرية، ويمكن مشاهدة الأعشاب والنباتات البرية والزهور المختلفة.
معالم أثرية تزخر بها قريتا دن ومعول التي تدل على التاريخ القديم للقريتين حيث تظهر على الجبل المحيط بقرية دن كتابات عربية ونقوش عديدة ورسومات واضحة، تسجل لزمن قديم وأحداث عديدة وتطورات متلاحقة شهدتها القرية، كما يوجد بها بيوت أثرية عديدة يزيد عمرها عن 500 عام، وما تزال في حالة جيدة.
أما قرية معول فمن أبرز معالمها بعد الفلج، مسجد «البلاد » القديم الذي يقدر عمره بمئات السنين، وما يزال قائماً ببنيانه القوي، وجمال نقشه؛ مما جعل الكثير من زوار القرية يحرصون على زيارته.
وفي قرية معول أيضاً بيوت قديمة تعود إلى مئات السنين في جوار البيوت الحديثة كأنها مناظرة بين القديم والحديث.
ونالت قريتا دن ومعول نصيبهما من منجزات النهضة الحديثة، إذ شبكة الطرق الحديثة بمواصفات سلامة عالية، والتي توصل إلى القريتين عبر بلدة عملا ويتلقى أبناء القريتين تعليمهم في مدرستين حديثتين بقرية سيح المعاشي المجاورة لهما، وتضم بلدة معول مجلسا عاما حديثاً، بني بجهود الأهالي تقام فيه المناسبات الاجتماعية المختلفة
وبخاصة الدينية كعيدي الفطر والأضحى، وتقام فيه الفعاليات الثقافية وبصورة خاصة في شهر رمضان الكريم، وملحق بالمجلس مكتبة عامة.
دن قلعة خضراء في حضن الجبل، وتعتبر قرية دن واحة خضراء أسفل جبل الكور العماني، وفي الطريق إليها تستقبلك أشجار النخيل بشموخ ومزارع أشجار
الليمون والرمان والمانجو، فضلا عن الأشجار البرية من الشوع والظفرة والعلعلان والياس والتين البري والصنوبريات. ثم تبدو القرية أسفل الجبل مباشرة في السفح الغربي منه وكأنها قلعة في أحضان الجبل، وتاريخيا كانت القرية ممرا للقوافل التجارية المتجهة إلى محافظة الظاهرة وأيضا للقادمين إلى محافظة الداخلية. وداخل القرية تشاهد المنازل الحديثة إلى جانب البيوت القديمة.
يعمل معظم سكان القرية في مهنة الزراعة؛ لتوافر المياه المتمثل في فلج دن المعروف بغزارة مياهه، ولوجود وادي دن الغربي الشهير بقوته ومضرب المثل في اندفاع جريانه، وينبع الوادي من جبل الكور الذي يحيط بالبلدة. ولقد أسهم الفلج والوادي إلى حد كبير في التخفيف من موجات الجفاف التي تعرف محليا باسم (المحل)، والتي مرت بالقرية خلال العقود الزمنية الماضية؛ لذا بقيت الزراعة قائمة في دن بمحصول وفير من تمور النخيل بمختلف أصنافه وفي مقدمتها الفرض والخلاص والخصاب وغيرها من المحاصيل الحقلية كالخضراوات والفواكه ومنها الليمون والسفرجل والرمان.