صناعات حرفية
القهوة تراث عميق
تعتبر القهوة عند العُمانيين من الأساسيات المرتبطة بحياتهم ارتباطاً وثيق ؛ً فهي تراث عميق لا يستغنون عنه، ويهتم العمانيون بها في حلهم وترحالهم، وتكاد أن تكون المشروب الأول في سلطنة عمان، إذ يتناولها العمانيون في كل الأوقات فليس لها وقت محدد، بل إنها لدى البعض ختام اليوم ومفتاح نهاره وراحة منتصفه. وليس مستغرباً أن ترى في أحد أزفة القرى العمانية اجتماع لنسوة تتوسطهن دلال القهوة، أو أن تراها تتصدر مكتب موظف ما يجلبها معه صباحاً إلى المكتب ليحتسي منها، ويقدمها لضيوفه كذلك، ولها طقوس لا بد من اتباعها، أبرزها:تقديمها من اليمين، والبدء من عند الضيف، وعدم ردها.
في عُمان تبرز القهوة في مختلف الأنشطة والفعاليات والمناسبات، ولها سنن في شربها، وهي تقليد عريق يحترمه الجميع، ومن العيب تجاوز هذه السنن أو تقاليدها، ومنها أن يبدأ تقديمها للضيف أولًا ثم للجالسين من على يمينه، أو للجالسين في المجلس إن لم يكن هناك ضيوف من اليمين.
وللقهوة تقاليد عريقة تقدم بها إلى الضيوف يحترمها الكبير والصغير ويحرصون عليها، ومن العيب كما أن العرب قديماً كانوا يخشون ذلك حتى لا تصبح حكايتهم على كل لسان يتناقلها الركبان فتصبح عيب كبيراً في حقهم. ومن تلك السنن: يُفضل أن يبدأ تقديمها للضيف أولًا، ثم للجالسين على يمينه.
من العادات الأصيلة المتوارثة ألا يقدم المقهوي القهوة للضيف باليد اليسرى أبدا، وعلى الضيف أن يتناول فنجان القهوة من المقهوي هو أيضاً بيده اليمنى، وعند صب القهوة في الفنجان لا يتم ملؤه، ولا يوضع فيه قدر ضئيل جداً بل هو ربع الفنجان فقط، ولا يجوز أبداً تقديم القهوة في فنجان به كسر ولو بسيط؛ لأن ذلك يعد عيب كبيرا، وعلى الضيف أن يشرب القهوة فإذا انتهى منها يهز الفنجان للمقهوي، وإلا فمعناه أنه يريد المزيد. ويستمر المقهوي في تقديم القهوة له حتى يهز الضيف الفنجان هزة خفيفة فيعرف المقهوي منها أن الضيف قد اكتفى، وعلى الضيف أن يسلم الفنجان للمقهوي بعد الانتهاء من شرب القهوة ولا يضعه على الأرض؛ لأن ذلك يعد عيب في حق المقهوي، إذ على الضيف الاحتفاظ بالفنجان في يده حتى يعود إليه المقهوي ليأخذه منه إن كان قد انشغل عنه بتقديم القهوة للآخرين.
لا يجوز في سنة القهوة التخطي بمعنى أن تقديم القهوة يكون من اليمين وحسب تسلسل الجالسين، حتى وإن كان بينهم طفل صغير إذ يجب على المقهوي تقديم القهوة له، فإن رفضها فله الحق في الانتقال لمن يليه، وله الحق في أن يتناول القهوة حتى يهز الفنجان مثله مثل الرجل الكبير.
إن من سنة تقديم القهوة للضيف أن تقدم له ثلاث مرات؛ الأولى عند قدومه، والثانية بعد تقديم الفواكه، والثالثة بعد وجبة الطعام التي يتم بها إكرام الضيف سواء أكانت غداء أم عشاء، وليس معنى ذلك أنها لا تقدم في غير تلك الأوقات، بل تقدم بعدد غير محدود من المرات وأقلها تلك الثلاث.
تمر طريقة إعداد القهوة بعدة مراحل، وهي: قلي القهوة حتى الاحمرار، وبعدها تضاف إلى الماء حتى الغليان مستخدمين بذلك الطريقة البدائية في القلي عن طريق الحطب بنار هادئة، وهنا تكمن متعة القهوة العمانية المصنوعة على نار هادئة إذ أن لها طابع خاص ومميزاً عن القهوة التي تصنع على الطريقة الحديثة المتطورة، ويضاف الهيل أو الزعفران حسب الرغبة، ثم تصفى في الدلة وتقدم إلى الضيف حسب سنة القهوة.
طرق تحضير القهوة
بداية إعداد القهوة العمانية يكمن في تجهيز الأواني، وتبدأ بالقنشة وهي وعاء دائري له يد يتم فيه تحميص القهوة على النار، ويتم تقليبها بالمحماس إلى أن تصبح حمراء، وتدق بعد أن تبرد في المنحاز وهو من النحاس الأصفر، والأداة التي يدق بها تسمى الرشاد، وعندما تصبح ناعمة توضع في دلة صغيرة تسمى المخمرة وتغلى على النار حتى تفور، بعد أن يضاف إليها الهيل أو الزعفران حسب الرغبة، ثم تصفى في الدلة وتقدم إلى الضيف.
قديما كانت القهوة تجلب إلى الموانئ العمانية القديمة، وأبرز أنواعها السيلاني والقهوة الخضراء بنوعيها «المدربحة » و «العادية »، والفارق بين الأنواع الثلاثة يكمن في المذاق، وكل بيت يحتفظ بأدوات القهوة التي يتم إعدادها عدة مرات في اليوم حسب الضيوف وإنْ كانت الأوقات المعتادة لصناعتها هي الصباح والضحوانية والظهر والعصر والمغرب.
موروث قديم
وصنعت القهوة أوقاتا للعمانيين تجمعهم فيها، وأبرزها قهوة الضحى وهي القهوة التي تجتمع العمانيات في بيت إحداهن لتناولها، وتبادل الأخبار والعمل سويا في الخياطة والحياكة. ولقهوة الضحى موروثها القديم لدى المرأة العمانية، وهي من العادات القديمة ولها سماتها الخاصة من البساطة وعدم التكلفة المادية والمعنوية، كما تعود بالفائدة للمرأة، وسميت بقهوة الضحى؛ لأن القهوة يتم تناولها في فترة الضحى التي تعتبر متنفس للمرأة بعد أن تكون قد أنهت أعمالها المنزلية الصباحية. في فترة الضحى تتجمع نساء الحارة )أو الحلة( في مكان محدد يتفقن عليه، وفي الغالب تكون الجلسة خارج البيوت تحت ظل شجرة أو في بيت إحدى كبيرات الحارة، وهذا التجمع له فوائد كثيرة، فهو ليس فقط لتناول القهوة والتسلية وإنها لتبادل الأحاديث والأفكار، وحل بعض المشاكل الموجودة في الحارة، وتحديد مواعيد الزيارة إلى الحارات المجاورة، وتعلم بعض الحرف النسائية كخياطة الملابس، وصناعة السعفيات، والطبخات، وتقديم المساعدات.
تتضمن قهوة الضحى شرب القهوة، وتناول ما تسمى بالفوالة، وتعني ما يقدم مع القهوة المرة من حلويات وفواكه وغيرها، إذ تجلب كل واحدة من نساء الحارة معها ترمس القهوة ومعه التمر أو الفاكهة أو الرطب حسب المواسم، أو بعض الحلويات العمانية كالخبيصة، والسووية أو البلاليط، أو السُحة والسمن والتمر المطبوخ مع السمن والهيل وماء الورد، وهذه تؤكل في فصل الشتاء.
تجمع قهوة الضحى النسوة في عمان في الأفراح والأتراح، ومن فوائد قهوة الضحى أيضا التعاون القائم أثناء مناسبات الأفراح والأحزان، ففي الأفراح تقوم جميع نساء الحارة بتجهيز لوازم العروس، من حيث خياطة الملابس وتحضير العطور والبخور، ويقمن بتوزيع العمل فيما بينهن أثناء جلسة الصباح. أما في الأحزان فيقمن بتجهيز الوجبات في بيوتهن وتقديم القهوة إلى الضيوف والقيام بأعمال المنزل، وهذه العادات ما تزال موجودة حتى الآن في بعض المناطق والمحافظات.