التراث
البيت الجديد (معمار عُماني فاخر تحتضنه المدينة الحجرية بزنجبار)
في تقرير للأثير تحدث د. محمد بن حمد العريمي عن فترة الحكم العماني لأجزاء من شرقي أفريقيا، حيث خلّفت الحضارة العمانية العديد من المنجزات السياسية والاجتماعية والثقافية والمعمارية، تجلّت في الشواهد الحضاريّة الماديّة والفكرية المختلفة من كتب ومطبوعات ومبانٍ ومنشآت، وعادات ثقافية متنوعة، شملت الآداب والفنون والملابس وفنون العمارة وغيرها.
وفي مجال العمارة ترك العمانيون العديد من الآثار العمرانية في شرق إفريقيا التي لا تزال موجودة وشاهدة على الوجود العماني، مثل: المساجد، والمدارس، والقصور، والحصون، وغيرها. وتحولت زنجبار من قرية صغيرة لصيد الأسماك إلى مدينة مزدانة بالمنازل الجميلة ذات الطوابق والحدائق الرائعة، كما تبدلت أكواخها المبنية من الطين والقش والسعف بأبنية حجرية مثيرة للإعجاب في الخمسينات من القرن التاسع عشر.
ومن بين الشواهد المعمارية العمانية في زنجبار التي تم الاستيلاء على الكثير منها بعد انق اب 1964 ، تلك التي تعود إلى عهد السيد سعيد بن سلطان مثل بيت الساحل، وقصر (المتوني) الذي يعد أقدم قصور السيد سعيد في زنجبار وأكبرها، وبيوت أخرى يقيم فيها بعض أزواجه وأبنائه مثل بيت واتورو، والبيت الثاني، وبيت الرأس الذي كان يبعد مسافة خمسة أميال عن مدينة زنجبار. وفي عهد ابنه السلطان برغش تم بناء بيت العجائب الذي لا يزال أحد معالم زنجبار البارزة، والذي بُني على أعمدة ضخمة من الحديد تدور به الرواشن من جهاته الأربع، وزينه بكتابة القرآن الكريم بماء الذهب.
ولم يقتصر بناء القصور والبيوت الكبيرة وامتلاكها على الس اطين والسادة البوسعيديين؛ بل قام العديد من الرجال العمانيين الأثرياء ببناء العديد من البيوت واقتنائها، والتي كانت تميّز حارات زنجبار، وتدلّل على النمط العمراني العمانيّ، بالإضافة إلى دورهم في بناء المساجد والمدارس والأسبلة وغيرها، ومن بينها قصر الشيخ محمد بن عبد الله الشقصي بحارة هرمزي، الذي استعمل فيما بعد كمدرسة لطائفة الهنود البهرة، وبيت الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي المعروف ببيت الظاهر الذي لم يكتمل وكان يمر بداخله فلج، وله برجان، وبيت الشيخ سالم بن بشير البرواني الحارثي في رأس شانجاني بحيّ الحجر، الذي أُطلق عليه لجماله (بيتٌ لا يقلّد)، وكان طبقته الخارجية مكسوّة بمزيج من صفار البيض وبياضه، وبيت الشيخ سليمان بن حبيب، وبيت الشيخ سالم بن محمد الرواحي، وغيرها من البيوت العربية التي كانت تدل على رخاء أحوال ساكنيها، وعلى مدى الازدهار الاقتصادي الذي وصلت إليه زنجبار وما حولها زمن الحكم العماني لها، والذي لم يقتصر على زنجبار فقط، بل تعداها لموانئ أخرى مثل الجزيرة الخضراء، وممباسا، وغيرها.
(البيت الجديد) الذي تملكه أسرة الشيخ مسعود
بن علي الريامي (العودي). يُعد (البيت الجديد) وهو البيت رقم ( 537 ) الكائن في حارة الباغ، من أبرز البيوت التي تميز منطقة (باغاني)، أو الباغ كما تعرف عند العرب، وهي من الأحياء السكنية الفخمة في العاصمة والتي تضم حاليا عددا من النزل السياحية العديدة، كثيرٌ منها تعود ملكيته في الأساس للعرب العُمانيين قبل انق اب 1964 م، ثم تم الاستيلاء عليها، وتحول بعضها إلى منشآت حكومية، والباقي أصبح نزلا وفنادق سياحية.
ملكية البيت وسبب التسمية
كانت ملكية البيت في الأساس تعود إلى )حسينة( إحدى جواري السيد سعيد بن سلطان، ثم اشتراه الشيخ مسعود بن سيف بن ناصر الريامي في عام 1862 ، وكان البيت آنذاك يتكون من طابق أرضي فقط، فوسّعه الشيخ مسعود بإضافة الطابق الأول وكذا غرّابية، ومن هنا جاءت تسميته بالبيت الجديد الذي استغرق تعميره قرابة الست سنوات.
والشيخ مسعود بن سيف من مواليد زنجبار في عام 1250 ه/ 1833 م، في البيت المسمى ببيت الحجر في حارة الباغ، والدته هي أخت الشيخ القاضي محمد بن سليمان المنذري، وكان يعد من أغنى رجالات زمانه في زنجبار، كما كان من رجال البِر، وكان يسخّر جزءا من أمواله لأعمال الخير، وعرف عنه قوة الشخصية، ورجاحة العقل، وسعة الأفق، وهي خصال أكسبته حظوةً عند س اطين زنجبار، وهو أحد الذين أهداهم السلطان حمد بن ثويني كتّارةً من الطراز الفارسيّ الفاخر ذات الصياغة الهندية من جملة 12 شخصية من شخصيات زنجبار البارزة وقتها، وتوفي الشيخ مسعود في الأول من يونيو 1914 وقد نيّف على الثمانين من عمره، وقدرت ثروته النقدية والعقارية بمليون ومائة ألف روبية هندية.
أجزاء البيت ومحتوياته
عند وصولك البيت، يستقبلك في البدء بابٌ خشبيّ عتيق نُقش عليه تاريخ ( ٢٢ رجب ١٣١٠ )، وتبرز من الباب أشواكٌ حديدية متينة استلهمت من حاميات ضد الأفيال الهندية، ذوات الأنياب طويلة الأسنة، وبالرغم من خلو زنجبار من الأفيال، إلا أنها لا تخلو من جالية هندية كبيرة جلبت هذه العادة العتيقة معها. بعد ولوجك الباب وبجانب صباح البيت الواسع، تقع البرزة / السبلة التي كان أصحاب البيت، وأبرزهم الشيخ مسعود بن علي الريامي يحرصون على التزام روّادها بمفردات الثقافة العربية العمانية، من حيث ارتداء الزيّ العمانيّ الكامل، وعدم الحديث في سفاسف الأمور أو تناول أعراض الناس، وتتوزع في البرزة كراسي خشبية تعود إلى عام 1914 م، وعلى يمين البرزة نافذة داخلية تطل على مكتب تجاري وغرفة مناجاة.
ويعدّ البيت تحفة معمارية رائعة، خاصة عند دخولك البهو الداخلي من حيث الصحن المفتوح إلى السماء والأقواس المعقوفة والروازن في البهو، ومفردات الأثاث المتناثرة هنا وهناك، والتي تدل على أصالة وثراء ورقيّ في الذوق، بحيث تشعر وكأنك في متحفٍ مفتوح.
يوجد في البيت كعادة البيوت العربية الكبيرة مجموعة من المرايا يبلغ عددهنّ أربعة مرايا، كان الشيخ مسعود بن سيف قد اشتراها من تركة السلطان حمد بن ثويني، لم يتبقّ منهنّ حاليًا سوى اثنتين. كما يحتوي البيت على غرابيّة مفتوحة في الطابق الثاني شهدت زيارة العديد من الشخصيات البارزة، ومنهم السلطان تيمور بن فيصل عند زيارته لزنجبار، والسلطان خليفة بن حارب ( 1911 - 1960 )، ولأن أصحاب البيت كانوا يملكون بيوتا أخرى في ذات المنطقة، قريبة من (البيت الجديد) إحداهما مقابل له، وحفظا لستر أهل البيت نتيجة حركة التنقل الدائبة ما بين هذه البيوت، فقد تم إنشاء جسر خشبي يُسمى (المخطف) بين البيتين؛ لمرور نساء البيت دون أية مضايقات.
وقد بقي البيت في عهدة أسرة (العودي) طوال الأحداث التي وقعت في زنجبار، وتم ترميمه في ثمانينات القرن المنصرم من قبل الشيخ سعيد بن محمد بن مسعود الريامي.