التراث
قلعة صحار
تقع القلعة في مدينة صحار المدينة الأقدم في سلطنة عمان، التي كانت مركزا لاستخراج وتصدير النحاس إلى دول العالم القديم ونسبة إليها سميت عمان قديما (مجان)، والذي يعني جبل النحاس. كما أنها وبحكم موقعها على ساحل بحر عمان كانت تشكل ميناء عالميا يربط بين الموانئ الخليجية وموانئ الهند والصين، ويعتقد الكثيرون أنها منشأ أسطورة السندباد. ذكرت صُحار في العديد من روايات المؤرخين والجغرافيين على مدى العصور، وأشادوا بأهميتها في كتبهم، كما أن عبدَ وجيفر أبناء الجلندى (ملكا عمان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم)، استقبا رسوله إلى عمان عمرو بن العاص فيها، وكما ذكر بأنه عند وفاة الرسول الكريم عليه السام كفن بثوبين صحاريين.
تعتبر قلعة صحار أحد المعالم التاريخية البارزة في سلطنة عمان، وتعد من أهم القاع والحصون في منطقة الباطنة كافة؛ نظرا إلى موقعها المتميز ودورها الكبير الذي لعبته طوال القرون الماضية، ويرجع تاريخ بنائها إلى نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر الميادي، حيث توضح الحفريات الأثرية المكتشفة حول القلعة في عام ( 1980 ) بأن بناءها يرجع إلى القرن الرابع عشر الميادي في الطرف الجنوبي من المدينة، وأن «أمراء هرمز » هم الذين قاموا ببنائها في عهد ملوك بني نبهان.
داخل قلعة صحار توجد عدة آبار للمياه الصالحة للشرب على الرغم من موقعها على بحر عمان! كما تنتشر بها عدة أبراج كانت تستخدم للرصد والمراقبة والدفاع عن المدينة عند اللزوم. وفي الطابق الأرضي منها يوجد قبر السيد ثويني بن سعيد بن سلطان.
من أبرز موجودات القلعة نفق يبلغ طوله 35 كيلومترا كان يستخدم منفذا للدخول والخروج من القلعة أثناء الحصار في زمن الحروب باستخدام الخيول، وقد أصيب النفق في العصر الحديث بالكثير من الانهيارات بعد أن انتشر العمران على طول خط النفق.
وتضم القلعة حالياً متحفاً تم افتتاحه في عام 1993 ، يتناول الكثير من الجوانب الأثرية والتاريخية لمدينة صحار وغيرها من المواقع الأخرى في سلطنة عمان، كما يتناول هذا المتحف أهمية الدور الذي لعبته تجارة النحاس في هذه المدينة وعاقتها مع مدينة كانتون في الصين، إضافة إلى عرض الكثير من القطع الأثرية التي عثر عليها أثناء التنقيبات الأثرية داخل القلعة وفي مواقع مختلفة من عمان.
تعرض محتويات المتحف في غرف القلعة، والتي تتوزع على أدوارها الثاثة وباب القلعة الرئيس يحمل على عتبته العُلوية نقش دوّن فيه اسم الإمام عزان بن قيس)أحد أئمة عمان(، ويؤدي إلى فناء واسع بالدور الأرضي ومنه توجد مداخل لعدد من الغرف، فالغرفة الأولى وهي الموقع الذي خصص سابقا للغسيل والاستحمام، أما الغرفة الثانية، فقد عرض فيها بعض القطع الأثرية من ضمنها خنجر نحاسي وسوار وجدا في أحد القبور بالقرب من عبري ويعودان إلى الألف الثاني قبل المياد، كما يعرض فيها قطعة لسبيكة نحاسية تعود إلى الألف الثالث قبل المياد وتزن 1700 جرام. إضافة إلى ذلك يوجد في هذه الغرفة من المتحف معلومات تشير إلى حضارة صحار قبل التاريخ، وهي فترة التكوينات الجيولوجية التي تعود لمايين السنين، وعلى جانب آخر من هذه الغرفة يوجد سرد لأسطورة الملك «جوديا »، التي تتناول قصة الملك مع الحجارة المجلوبة من أرض مجان والذي أمر بعدها أن ينحت له تمثال من ذلك الحجر، والتمثال الذي تم نحته من هذا الحجر يعرض حاليا في متحف اللوفر بباريس.
أما الغرفة الثالثة فيوجد فيها ضريح السيد ثويني بن سعيد بن سلطان الذي حكم خال الفترة 1856 - 1866 م.
ويتناول تاريخ صحار الفترة ما قبل الإسام وتاريخها القديم، كما يوجد فيها كذلك قطع فخارية تعود للقرنين الرابع والخامس المياديين وقطع من السيراميك المشكل وقطع لجرة مزخرفة تعود للقرن الخامس الميادي وفي جانب آخر منها تعرض الخطوات التي يتم بها إنتاج الحرير من دودة القز .
أما القاعة الثانية ففي غرفتها الأولى تعرض خارطة توضح طرق التجارة القديمة (طريق الحرير) والأسطورة المتعلقة بتجارة وإنتاج الحرير، كما تعرض بعض المسكوكات والعمات النقدية القديمة التي يعود أقدمها إلى القرن السادس الميادي وبعضها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميادي، وقد نقش عليها أسماء الأماكن التي سكت فيها، وتعتبر هذه المسكوكات بمثابة دليل على الوضع التجاري المزدهر في عمان، وخاصة مدينة صحار. الغرفة الثانية فتعرض نسخة من نص رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان يدعوهم فيها للإسام، وقد حمل الرسالة اثنان من الصحابة هما عمرو بن العاص السهمي، وأبو زيد الأنصاري، حيث قدما إلى عمان والتقيا بابني الجلندى عبد وجيفر في صحار. كما تعرض وصف المقدسي لمدينة صحار في القرن العاشر الميادي، وقصة وصول البرتغاليين إلى صحار بتاريخ 16 سبتمبر 1507 م بقيادة البوكيرك، وحدود الدولة العمانية أثناء حكم اليعاربة والبوسعيد. أما الغرفة الثالثة فتعرض جانبا من احتفالات عُمان بالعيد الوطني الثاني والعشرين «عام الصناعة »، الذي أقيم بمدينة صحار، كما تعرض الوضع الذي كانت عليه القلعة عام 1960 م و 1980 م ونماذج القنابل التقليدية القديمة التي استخدمها العمانيون في الحروب وبعض الأسلحة البرتغالية والترميم الذي جرى للقلعة عام 1992 م، والقاعة الثالثة عبارة عن قاعة المحكمة القديمة، يطلق عليها «البرزة » وكان محددا للقاضي والوالي الاجتماع في هذه القاعة للقضاء في أول يوم سبت من كل شهر.
وقلعة صحار ببنائها الشامخ إلى يومنا هذا وتاريخها العريق ومتحفها الذي يزخر بالكثير من المقتنيات والمعلومات التاريخية القيمة، يعد أحدا أهم الوجهات السياحية التي يقصدها السياح من مختلف أرجاء السلطنة والدول الخليجية والأجنبية .