التراث
حصن الحزم
كثيرة هي القلاع والحصون المنتشرة في السلطنة، والتي تدل على حقبة الحروب والاستعمارات التي كانت سائدة. يعد حصن الحزم فنا معماريا وهندسيا فريدا وشاهدا على ثراء التراث المعماري العماني، الذي يبرز حرفية وعبقرية رائعة راقية، وتعطي فن العمارة في حصن الحزم نموذجا رائدا عن نشأة وتطور العمارة العمانية عبر حقب التاريخ، فهو ثالث حصن تم بناؤه في عهد أئمة اليعاربة خ ال النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي.
تاريخ الحصن:
وفي عودة لتاريخية الحصن نجد أنه في فترة حكم أسرة اليعاربة، أدت ريادة البحار إلى انتعاش التجارة وتحقيق ثروة غير مسبوقة، وتضمنت أبرز المشاريع الرئيسة في بناء نظام الري بالأف اج، الذي ساعد في ازدهار الحركة الزراعية ووفرة الإنتاج الزراعي، كما عملت على إحياء الثقافة الإس امية وازدهار العلم والمعرفة وبناء معالم رائعة الجمال حافظت على قوتها عبر السنين لعل أبرزها قلعة نزوى المهيبة، وقد عمل الإمام سلطان بن سيف على توسيع رقعة عمان، وبنى آثارا جديدة رائعة لعل أبرزها حصن الحزم.
وعند الاقتراب من حصن الحزم الواقع بالقرب من السهول الزراعية الواسعة المحيطة به، يمكن أن يتخيل المرء كيف كان الحصن معلماً مهيب على الأرض الشاسعة المفتوحة قبل ثلاثمائة وخمسين عاماً، ومن شرفات الحصن يمكن للعين المجردة رؤية خط الساحل لأميال غير متناهية، إضافة إلى رؤية أي تقدم معاد من البحر بسرعة كبيرة.
لذا حقق الإمام سلطان بن سيف اليعربي ميزة استراتيجية بنقل مقراته الدفاعية إلى حصن الحزم من المحيط الأكثر قرباً للحصن إلى الداخل بشكل إضافي في الرستاق، وقد حدث هذا في عام 1711 م، كما تبلورت خبرة كبيرة في الهندسة والتصميم المعماري من قلعة نزوى وحصن جبرين، واستخدمت هذه الخبرات كميزة في بناء حصن الحزم، ويتضح ذلك في تطور هندسته من حيث التصميم العملي للبناء، وفي سماته الزخرفية بشكل خاص. يمثل حصن الحزم للسلطنة توظيفاً متقدماً للبناء بأسلوب القنطرة والسرداب، وهذا يمثل انطلاقاً مثيراً من الخطوط المستقيمة والبناء البسيط للأعمدة والنوافذ في البنيات الدفاعية المبكرة.
وقد بني حصن الحزم في مرحلة انتقالية من الحروب بالبندقية إلى الحروب بالمدافع، وقد انعكس ذلك جليا في الجدران السميكة والقوية بشكل كافٍ لمقاومة هجوم قذائف المدافع، إضافة إلى برجي المدفعية الذين يقعان بشكل مائل في مواجهة بعضهما البعض، على الركنين الجنوبي الشرقي والشمالي الغربي من الحصن، وكان كل برج من البرجين يملك سطحين مع سبع فتحات؛ لإط اق النار لعدد إجمالي ثمانية وعشرين مدفع ،ً توفر قوة إط اق نار بدائرة 360 درجة؛ من أجل إحكام السيطرة على السهول المحيطة بأكملها.
يملك سقف الحصن حوض مياه لحدائق الخضراوات التي كانت تزدهر هناك في يوم من الأيام، وكان الثوم والبصل والبطيخ وبعض الأطعمة الأخرى تزرع داخل الحصن في أوقات السلم، وفي حال الحصار توفر الحدائق الفواكه والخضراوات الطازجة بشكل طبيعي من المزارع المحلية.وكان الحصن يمتلك أنظمة مياه متقدمة مع الأفلاج وبئرين داخليين، وهو ما يضمن توفير كمية كبيرة من المياه؛ لتلبية الاحتياجات المحلية.
وكان أبناء الإمام يتعلمون في حجرة الدراسة الواقعة على منصة مقنطرة فوق مسجد الإمام والجنود، وقد تعلم أبناء الإمام القراءة والكتابة باللغة العربية عبر دراسة القرآن الكريم في ذلك المكان، وكانوا يتلقون أيض دروس تعليمية في مواد أخرى مثل الرياضيات والجغرافيا. يحوي الحصن على قبر لبانيه الإمام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي،: الذي توفي في عام 1718 م، وقبر لإبنه سيف بن سلطان بن سيف الذي توفي في عام 1742 م.
يتصف الحصن بالتحصين والفخامة ويعكس حالة الاستقرار والازدهار لتلك الفترة التاريخية، وهو ليس معقلا عسكريا قويا فحسب، بل قصرا فائق الجمال بنقوشه وهندسته الإسلامية الرائعة، التي تحمل بصمات عظيمة يتجسد فيها أسلوب الإبداع والتجديد، وهي شاهد حي على الرقي الحضاري الذي وصلت إليه العمارة العمانية، والتي يتناغم فيها الجانب الدفاعي التحصيني مع التأثير الجمالي الذي يحرك المشاعر ويهز النفس بروعة التصميم وأناقة البناء.
ويقع حصن الحزم في محافظة جنوب الباطنة بولاية الرستاق، ويبعد عن العاصمة مسقط بحوالي 150 كيلومترا تقريبا، وتتوسط الرستاق سلسلة جبال الحجر، وقد كانت مركزاً سياسيا واقتصاديا في تاريخ عمان؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي، الذي يرتبط بالعديد من الولايات. والرحلة إلى الرستاق يتخللها برنامج سياحي متكامل حيث الجمال والطبيعة، فهي تشتهر بالعديد من المعالم التاريخية كقلعة الرستاق، وحصن الحزم، والطبيعية كالعيون المائية، والأفلاج، والأودية، ومزارع النخيل المتنوعة، فهي مدينة تعج بنبض الحياة.