التراث
قلعة الرستاق
تعتبر الق اع والحصون من أبرز المعالم التاريخية والحضارية في سلطنة عمان وقد بدأ الإنسان العماني في بناء القلاع والحصون منذ بداية ظهور الحياة المستقرة؛ لتأمين الممتلكات، وصد العدو الخارجي، ومن بين تلك القلاع التي يبلغ عددها ( 500 ) قلعة تبرز قلعة الرستاق الضخمة، التي تقع عند سفح الجبل الأخضر في ولاية الرستاق في محافظة جنوب الباطنة، وتبعد عن العاصمة مسقط مسافة 165 كم ويعتقد من خلال بعض المصادر التاريخية أن قلعة الرستاق بنيت قبل الإس ام من قبل الجلنديين، وهناك آراء تشير إلى أنها بنيت على أنقاض الخرائب الفارسية عام 1250 م، وقد جددت على أكثر من مرحلة منها في عهد السلطان سيف بن سلطان بن سيف اليعربي الأول والملقب ب (قيد الأرض) الذي وحد البلاد، واتخذ من الرستاق عاصمة ثانية له بعد مسقط، وحدث ذلك بين القرنين السادس عشر والسابع عشر .
وبنيت القلعة على جبل في موقع استراتيجي وتعد من أعلى الق اع في عمان إذ يبلغ ارتفاعها من 26 إلى 30 مترا واستخدم في بنائها مواد عديدة، مثل: الطين، والحجارة، والصاروج العماني، والسعف (جذوع النخيل).
تتكون قلعة الرستاق من ثلاثة أدوار، ويوجد بها أربعة أبراج رئيسة تم بناؤها بين عامي 1477 م- 1906 م، وكل واحد منها يمثل مرحلة من تاريخ عمان السياسي فبرج الشياطين بناه الجلنديون قبل الإس ام، وبرج الأحمر بُني في عهد إمامة بن خروص في القرن السادس الهجري وبرج الريح يعود بناؤه لعهد سيف بن سلطان اليعربي عام 1692 م
وأخيرًا البرج الرابع والمسمى برج الريح فقد بني أثناء حكم أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية عندما انتقل من صحار إلى الرستاق واتخذها مقرًا لإدارة شئون الدولة.
ويحيط بالقلعة سور كبير مزود بأحد عشر مركزا للحراسة ولمتطلبات الحماية توجد مساقط؛ لصب الزيت والعسل المغلي عند المداخل الرئيسة كما زودت القلعة بمدافع بحرية، تم الاستيلاء عليها خلال حقبة الاستعمار البرتغالي لعمان في القرن السادس عشر وقد قام عزان بن قيس البوسعيدي في القرن التاسع عشر بجلب تلك المدافع؛ لوضعها في قلعة الرستاق. وحفرت في القلعة أنفاق وممرات سرية متصلة بأقسام المبنى، وبعضها يؤدي إلى خارج القلعة. وتضم القلعة جامع البياضة الذي يعد مجمع علماء عمان ومن أشهرهم الشيخ العلامة عبدالله بن حميد السالمي واسمه نورالدين بن حميد وهو صاحب مؤلفات من بينها كتاب ( تلقين الصبيان ) وكذلك الشيخ العلامة ماجد بن خميس بن راشد العبري
وأعيد ترميم قلعة الرستاق في عام 1994 م على أسس سليمة بعد أن تمت الاستفادة من الخبرات المغربية في ذلك المجال؛ لتستقبل قلعة الرستاق الزوار من داخل وخارج السلطنة طوال أيام العام وقد وضعت لها تصورات مستقبلية تستهدف تحويل القلعة إلى متحف بعد إعادة تأهيلها. واكتسبت قضية إعادة ترميم المعالم التاريخية أبعادا عالمية بعد أن أولت المنظمات الدولية مثل اليونسكو اهتماما بالغا بها وشارك في تلك الحملة الدولية حكومات ومنظمات أهلية، وحتى الأفراد ممّن يقدّرون قيمة الأثر التاريخي.
ومن الخطورة الولوج في تلك العملية دون خبرة سابقة كما حدث مع الأسف الشديد في أكثر من دولة عربية حيث رممت بعض الآثار دون الحرص على استخدام نفس المواد التي استخدمت في بناء الأثر التاريخي أيضًا كما تم تشويه بعض تلك المعالم من خلال الإضافات غير المدروسة لبعض الوسائل الحديثة، كالإنارة، والتكييف، والتمديدات الكهربائية، الأمر الذي أفقد ذلك الأثر هيبته التاريخية وعلاقته بالماضي.