الرئيسية

التراث

صناعات حرفية

صناعات حرفية

التاريخ: 2015-08-01
شجرة اللبان عبق من التاريخ

شجرة اللبان عبق من التاريخ

تحتضن ظفار الواقعة في الجزء الجنوبي من عمان شجرة اللبان الأسطورية والتي يعود تواجدها إلى العهود الإنسانية الأولى قبل آلاف من السنين ، وعلى امتداد التكوين الإنساني والحضاري كأن لشجرة اللبان وشذى روائحها السحرية دوراً ريادي لتصبح عمان مركزاً فاعلاً على خريطة الحضارات الإنسانية والتواصل الحضاري، وقد أكتشف الإنسان الأول خلال بحثه الدائم نحو الاكتشاف والمعرفة أن لهذه الشجرة إفرازات بيضاء تخرج منها بعد إحداث شقوق فيها ما تلبث أن تتماسك لتصبح فيما بعد شذرات تفوح منها روائح طيبة وزكية ، لتبدأ بعدها مسيرة اللبان عبر عصور التاريخ وحقب الأزمنة المتعاقبة فأخذت شهرة شجرة اللبان في ظفار تتسع شيء فشيء لتكتسب أبعاد دينية واجتماعية واقتصادية بين مختلف الحضارات .


ويعد أفضل أنواع اللبان هو ما تنتجه أشجار ظفار، وخصوص منطقة حاسك - التي تبعد حوالي 200 كيلومتر عن صلالة - والتي يمكن الوصول إليها عبر الطريق البحري الممتد عبر طاقة وسدح ، ويتكون اللبان من قطرات شبه شفافة من سائل متبلور تفرزه شجرة اللبان ويتكون من الصمغ والزيوت الطيارة والراتنج، وتتميز شجرة اللبان والتي تعرف محلياً باسم شجرة المغور أو المغار بتعدد جذوعها، كما أن سيقانها يغطيها لحاء بني محمر يتحول إلى شرائح ورقية سهلة القشر ، أما أوراقها فهي ريشية الشكل وصغيرة ذات حواف مجعدة وأما الأزهار، فهي سنبلية الترتيب تتركز عند نهايات الأغصان.


ويتم جمع اللبان خلال فصلين هما فصل الربيع الذي يمتد من مارس حتى مايو ، وفصل الخريف الذي يمتد من سبتمبر حتى أكتوبر، يتم خلاله الحصول على أفضل أنواع اللبان و الذي يتميز ببياض لونه الناصع ، ويتم جمع اللبان من الأشجار بعد تجريحها بواسطة أداة ذات مقبض خشبي وشفرة معدنية حادة تدعى «منكار » ويجمع اللبان الذي يسيل من الشقوق كل أسبوعين مرة وفي أول عملية جمع تؤخذ المادة الجافة فقط، رغم أن بعض السائل اللباني يسيل إلى أسفل ساق الشجرة، إلا أنه لا يجمع إلا في نهاية الموسم ليترك اللبان المجموع حتى ينضج لمدة ثلاثة شهور، ويتم تخزينه في كهوف جافة تمام مخصصة لذالك ، وتعد أفضل أنواع اللبان هي التي يتم الحصول عليه من الجبال الجافة المرتفعة في ظفار ويدعى « اللبان الحوجري .»


تذكر مصادر التاريخ الإنساني رحلة الملكة حبستشوت والتي قدمت إلى ظفار في موكب مهيب من أجل محاولة استزراع شجرة اللبان المقدسة في معبدها بالدير البحري في البر الغربي بمدينة الأقصر فضلاً عن أنها كانت تستخدم اللبان مع الكحل لتظليل العين ، أما الملكة السبئية بلقيس والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم فقد اتخذت من ميناء سمهرم بظفار وهو الميناء الرئيسي في تصدير سلعة اللبان إلى مختلف مواني الحضارات قصراً صيفياً لها ويبعد الميناء بضع كيلومترات عن جبل سمحان وهو موطن أجود أنواع اللبان على الإطلاق ، كما تسرد الرسومات والكتابات الإغريقية الصلات التجارية مع ظفار والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على اللبان في مراسم الطقوس الدينية لحضارات أثينا وطروادة واسبرطة ، ليتبوأ اللبان بعدها منزلة قدسية وعقائدية جعلت منه هدية للأنبياء والملوك فقد حكت قصص التاريخ بأنه تم تقديم اللبان كهدية لسيدنا عيسى عليه السلام ، كما كنت سفن الملك البابلي نبوخذ نصر والفرعون رمسيس الثاني تبحر من ظفار محملة بأفخر أنواع اللبان والذي كان يباع وزنه بالذهب ، ويذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوت والمعروف بأبي التاريخ بأن أطنان من اللبان كانت تقدم على مذبح الإله بعل سنوياً.


يمكن القول إن تجارة اللبان أسهمت في تأسيس العديد من المستوطنات والحضارات التاريخية كما أن طريق اللبان لم يكن مقصوراً على سلعة اللبان وإنما كان ينقل عليه أيض الحرير والتوابل التي كان التجار يستوردونها من الصين والهند وقد دفع ذلك الرومان إلى الاعتقاد بأن الممالك الواقعة جنوبي الجزيرة العربية هي التي تنتج تلك الأصناف وكان من الطبيعي أن يسعوا إلى استكشاف تلك المناطق التي تنتج البضائع الثمينة فأرسلوا لذلك الغرض قائدهم أيلوس غاليوس إلا أنه لم ينجح في مهمته ، في ثلاثينيات القرن الماضي حاول الرحالة البريطاني السير برترام توماس الكشف عن طريق اللبان الأسطوري .

 

وعلى هامش رواج تصدير اللبان ظهرت حرف كانت تعتمد على توفر شجرة اللبان بشكل أساسي كصناعة البخور والعطور والصناعات الخشبية وصناعة الأكياس الوبرية المستعملة في حفظ اللبان وصناعة المواد التقليدية المستخدمة في استخراج اللبان لتشكل تجارة اللبان مصدر هام في تطور ونمو مشاهد الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، ولا يزال اللبان حتى اليوم يحضى بأهمية حيث يستخدم في الطب والاستشفاء والتطيب كما تستحوذ شجرة اللبان على أهمية رمزية خاصة جعلت منها الشعار الرسمي لظفار .


ويعد «متحف أرض اللبان » منتزه أثري وسياحي كونه يقع في قلب منطقة البليد بصلالة المسجلة في قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو ، كما يعتبر خبراء الآثار بأن بقايا أطلال موقع البليد تعد جزءا من الموطن التاريخي والأسطوري لطريق لشجرة اللبان التي اشتهرت بها ظفار ويمثل المتحف قيمة مضافة لكنوز عُمان الأثرية في منظومة التراث الثقافي والطبيعي الإنساني ويحوي متحف ارض اللبان على شواهد على معالم وحضارة وتاريخ عُمان عبر مختلف العصور كما أن المتحف صمم ليكون مزاراً سياحياً يعطي نبذة شاملة عن تاريخ اللبان.

 

شجرة اللبان :
تلك الشجرة القابعة خلف سفوح جبال سمحان المنسابة نحو الآفاق الرحبة وعبر السهول الممتدة في مشهد سريالياً يلهم الإنسان بعطاء مستمر وحوار لا ينتهي مع الطبيعة.